مستقبل الهواتف الذكية، أندرويد، الصين والحيرة بينهما
بعد مضي 7 أعوام في العصر الذهبي لتكنولوجيا الهواتف النقالة يبدو أن الوقت حان لطرح أسئلة جديدة. تمت الإجابة عن معظم الأسئلة التي طرحت منذ أعوام وحتى الآن، وأصبحت بديهية، وبدأت ألغاز ومشاكل جديدة بالظهور.
يدرس الكاتب بينيدكت إيفانز Benedict Evans في مقال مطول جميع الظواهر الحالية والمستقبلية المحيطة بعالم الهواتف المحمولة وغوغل وأندرويد على وجه الخصوص. إلى أين سنصل في النهاية؟ وماهو حال هذا التعقيد الحالي المحيط بأندرويد مابين غوغل الراعية والشركات الأخرى المتنافسة حوله؟ كيف سيؤثر هذا على مستقبل الهواتف الذكية عموماً؟
انتهت المرحلة الأولى من حرب منصات التشغيل. وربحت كل من ابل وغوغل معركتهما. تبيع ابل الآن حوالي 10 بالمئة من الهواتف التي يتم بيعها سنوياً حول العالم والتي يبلغ عددها 1.8 بليون جهاز ويستمر هذا السوق بالنمو طبعاً، تمثل أجهزة أندرويد المباعة فيها نسبة 50 بالمئة ثلثها في الصين والثلثان خارج الصين. سيمتد هذا مع الوقت لتبلغ المبيعات 400 أو 500 مليون جهاز في كل ربع من أرباع العام، مع احتلال آبل لمرتبة الصدارة بالأجهزة المزودة بآخر التقنيات. تسيطر غوغل على ماتبقى، وسيكون هناك ما يقارب الـ 4 بليون جهاز ذكي في العالم.
وعلى الرغم من أن ابل تبيع عدداً أقل من الأجهزة، فإن موقعها وتأثيرها أكبر بكثير من ناحية الحصة في الحركة على الانترنت والأغلبية في المحتوى وعائدات التجارة في أسواق التطوير، لذلك فإن امتدادها ثابت ومستقر، كماهي الحال بالنسبة لغوغل أيضاً.
بذلك تكون كل من آبل وغوغل قد ربحتا وحصلتا على ما تريدانه، ولن يتغير هذا في الوقت القريب على الأقل. إذا ما الذي سيحصل في عالم صناعة التكنولوجيا النقال بعد ذلك؟
مالذي سيحصل للشركات التي تتعامل مع أندرويد؟
بعد مرور عدة سنوات تمكنت خلالها سامسونج من السيطرة على نصف سوق الهواتف المحمولة التي تعمل بنظام أندرويد في الأرباح وحجم الحصة، بدأ التوزع في سوق الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد يتغير بانخفاض حصة سامسونج مؤخراً وبشكل متسارع. لاغرابة من مراقبة الأداء الحسن لشركات أخرى تتعامل بنظام أندرويد، بدأت بعض الشركات مثل إلى جي وموتورولا تحقق انتشاراً عالمياً مثلاً. بدأت شركة كشاومي Xiaomi بالحصول على حصة مقبولة في السوق الصينية وتحاول أن تنتشر في الهند أيضاً، لكنها تواجه عقبة تتمثل بالشركات المحلية التي تظهر في بلدها الأم. ما المنحى الذي ستأخذه الأمور؟ هل ستتمكن شاومي من الانتشار عالمياً كماركة من المستوى المتوسط؟وهل ستنجح شركات صينية أخرى في تحقيق المثل؟ ماعدد اللاعبين الذين سيكونون في السوق؟ لطالما كانت سوق الهواتف النقالة لعبة حجم وامتداد، لكن هل من الممكن لشركة محلية أن تصل بالحجم إلى درجة توازي السوق العالمية؟ هل سيتمكن أحدهم أخيراً من صناعة هواتف نخبوية Premium يمكنها أن تنافس منتجات ابل (إن كان هذا ممكناً في أندرويد بشكل عام)
ما هو مستقبل أندرويد؟
يمكننا أن نقول أن مستقبل الشركات الصانعة غير مهم سوى على صعيد الأسهم والحصص ـ فهي ليست سوى أجهزة بأسماء صانعيها على ظهر الجهاز. لكن شركات ككشاومي تطرح سؤالاً آخراً: ماهو مستقبل أندرويد بحد ذاته؟
حالياً تنتشر الأجهزة التي تعتمد نظام تشغيل أندرويد من غوغل في منطقتين. من ناحية نلاحظ غياب غوغل في السوق الصينية حيث تأتي جميع أجهزة أندرويد غير مدعومة بخدمات غوغل، لكن هذه ليست مشكلة بالنسبة لغوغل من ناحية استراتيجيتها في السوق العالمية. ومن ناحية أخرى حاولت أمازون أن تنطلق بمنصتها الخاصة المتفرعة عن أندرويد بسلسلة أجهزة Kindle Fire، لكن تبين أن منتجات أجهزة هواتف وتابلت Fire أثبتت فشلها، جزئياً وليس كلياً لأنها لم تطرح مدعومة بخدمات غوغل أيضاً. وفي الوقت الحالي فشلت معظم محاولات الشركات التي تتعامل مع أندرويد بإضافة طبقتها الخاصة من الخدمات على هذا النظام.
لكن يبدو أن هذا بدأ يتغير الآن. تمكنت شاومي على عكس غيرها من الانطلاق ببعض الخدمات الجذابة في طبقة فوق نظام أندرويد. وبالنسبة للآن، تستخدم الشركة خدمات غوغل خارج الصين إضافة إلى خدماتها، لكن قد لا يستمر هذا طويلاً. بالتوازي، انطلقت شركة سيانوجين Cyanogen في الاستثمار في أندرويد كمثال للعديد من الشركات التي بدأت بإجراء تجارب على أي نوع من أنواع نظام أندرويد يجب أن تستخدم.
إن حزمة تطبيقات Google Play Services هي المكون الرئيسي الذي يتيح لغوغل التحكم بسوق نظام أندرويد عالمياً بالإضافة إلى مجموعة واجهات برمجية API والتطبيقات التي تكون طبقة فوق نواة نظام أندرويد ــ ومن بينها تطبيق الخرائط وتطبيقات أخرى تنتجها غوغل. تستخدم غوغل هذه المكونات كما تستخدم مايكروسوفت تطبيقات أوفيس وويندوز.
غالباً مايعتقد أنه ليس من الممكن بيع الهواتف الذكية خارج الصين دون تطبيق الخرائط ومتجر تطبيقات غوغل ــ سيكون هذا هاتفاً مميزاً (على الأقل بالنسبة لمستخدم عادي.)
لم يحاول أحد القيام بذلك حتى الآن،سوى شركة أمازون ( ونوكيا، بشكل سطحي). هناك مجموعة من المؤشرات القوية التي تدل على امتلاك تطبيقات خرائط غوغل حصة من الاستخدام على هواتف ابل أيضاً بمنصة iOS. وبما أن الكثير يحاول أن يعدل نسخاً من نظام أندرويد الأصلية بطريقتهم الخاصة لتحمل طابع شركاتهم وبما أن أعدادهم تتزايد دون محاولة غوغل أن تقاضيهم بتهمة تزوير أنظمتها يظن أن المزيد من الشركات ستتابع محاولاتها في تعديل نظام أندرويد.
يطرح كل هذا سؤالاً أعمق عن نظام أندرويد. ما الذي ستعرضه غوغل في غضون خمس سنوات؟ هل يمكننا أن نقول أننا سنشتري هواتف كروم التي تحمل نسخاً أصلية من نظام أندرويد؟ تمتلك غوغل عدداً من التطبيقات التي تعمل الآن على كروم ( والعكس بالعكس)
هل يتماشى هذا مع مستقبل المنصة؟ وإن كان هل يعني هذا المزيد من الحرية أو الأقل منها بالنسبة للأشخاص الذين يحاولون الانطلاق بمنصاتهم فوق منصة أندرويد؟
نماذج التفاعل، التراسل وطبقات التداخل
قد تكون السيطرة جزءاً من السبب الذي قد يدفع غوغل لتغيير ماهية نظام أندرويد، والسبب الأعمق في ذلك هو تغيير الطريقة التي تتفاعل فيها الهواتف الذكية مع المستخدم. من الواضح أن التطبيقات لطالما شكلت مشكلة بنيوية بالنسبة لغوغل. فمثلاً لايظهر محتواها في نتائج البحث والأهم من ذلك أنه ليس بالإمكان ربط المحتوى بنتائج البحث. تبين أيضاً أن تطبيقات HTML5 Web Apps حليف أعمى لعدة أسباب وتبقى المشكلة الرئيسة هي: يمكنك على الانترنت أن ترتبط بأي مصدر رئيسي ولايمكن ذلك على الهاتف لأن كل شيء موجود في قوالب.
تحاول غوغل في نسختها الأخيرة من أندرويد 5 لولي بوب أن تزيل الفوارق والعوائق بين التطبيقات والويب. على أي حال، تميل التكنولوجيا للتحرك إلى الأمام، وحل المشاكل الموجودة حالياً وطرح أخرى جديدة وليس العودة إلى الحلول والمشاكل السابقة. لم نقم بحل مشاكل الويب بإعادة بناء AOL (شركة الإنترنت الديناصورية) بل باستخدام غوغل وفيس بوك.
في هذه الأثناء، وكما نعلم، لا يلاقي نمط البحث الذي أتت به غوغل على الانترنت نجاحاً كبيراً على الهواتف النقالة. لكن وفي نفس السياق، لم تختف الإمكانات التي طرحتها غوغل قبل مرحلة وصول البحث إلى الهواتف النقالة.
ما يحصل الآن ليس إلا تغيرات في طبقات من التجميع والاستكشاف. انتقلنا من مرحلة يتم فيها تجميع وتركيب كل شيء ضمن المتصفح، ومن ثم دخوله عن طريق غوغل ( الذي يشكل حزمة بحد ذاته) إلى أيقونات التطبيقات التي تفكك محتوىً معيناً من أحد المواقع على الانترنت. في نفس الوقت تقوم التطبيقات بتجميع المحتوى بالكامل من مواقع الإنترنت وتجعل من المستحيل الارتباط مباشرة بصفحة معينة. وبما أننا نمتلك ميزات الارتباط العميق، التي تسمح لنا بالوصول إلى متاهات الانترنت، والإشعارات التفاعلية الغنية وتفكك قطعاً منها. لدينا أيضاً البطاقات التي تطفو في النظام الجديد (والتي تصلنا بطرق عدة).
يخلق هذا بدوره مشاكل جديدة. لا يمكن تطبيق الربط العميق بالضرورة في نموذج تفاعلي للتطبيقات، وليس من الواضح أيضاً على من تقع مسؤولية تطويره ـ هل يجب أن يتم تنظيم الربط العميق في طبقات ( مثل فيس بوك وغوغل على منصة iOS) أم يجب أن يم بناؤه من قبل الشركات الصانعة لكل منصة ؟
يحاول كل برنامج أن يتوسع إلى مرحلة يمكنه من خلالها أن يقرأ البريد الالكترونيّ. وتلك البرامج التي لا يمكنها أن تتوسع تستبدل بتطبيقات يمكنها ذلك.
فيس بوك وأمازون
هناك سؤال يطرح الآن بناء على ماسبق وهو هل يمكن تغيير نماذج التفاعل على مستوى المنصات من قبل أطراف خارجية أم هل يمكن لابل وغوغل أن تقوما بذلك بنفسهما. فيس بوك وأمازون تلعبان دوراً هنا أيضاً. متصفحات الانترنت على الحاسب غالباً حيادية، والمتصفحات في الهاتف الذكي ليست كذلك. تقوم الشركات الصانعة للمنصات بأمور تؤثر على استكشافك وتفاعلك مع أي شيء تقريباً. لهذا السبب يوجد نظام أندرويد في الأساس ـ كانت غوغل خائفة مما قد تفعله مايكروسوفت ـ وهذا سبب وجيه لدوران أمازون وفيس بوك باستمرار حول نموذج التفاعل مع منصات فرعية مثل Fire Phone وFacebook Home. ولم تجد أي منهما حتى الآن طريقة لإدخال ما لديها في تلك المرحلة من طبقة التجميع الأولي التي تتيحها لك الشاشة الرئيسية من التحكم. لكنهما لن تستسلما. من الواضح أن فيس بوك تحاول أن تبني طبقة فوق كل من أندرويد وiOS للسماح للربط العميق والمشاركة بالعمل ضمن التطبيقات. إلى أي مدى ستنجح في ذلك؟ هل يعني الربط العميق بشكل عام الكثير بالنسبة لمالكي المنصات لتقوم بالعمل عليه؟ ما هي الخطوة القادمة التي ستتخذها أمازون؟
الأجهزة الملبوسة Wearables نقطة النهاية للسحابة والمراسلة
السؤال الأخير هنا وعلى الأقل بالنسبة لليوم. تذكرنا ساعة ابل بالاي باد الذي وان كنت تريد لشيء مماثل مصنوع بحرفية ولك ليس من الواضح لم نريد شيئاً مماثلاً على الإطلاق. لكن من الواضح الآن أن الأجهزة الملبوسة هي نقطة النهاية بالنسبة للخدمات السحابية، لكن الساعات وبالأخص من ناحية حجم الشاشة هي أجهزة للتراسل والإشعارات في المقام الأول. وإلى حين انطلاقها بشكل أوسع، يعني هذا أن السؤال الأشمل المطروح عن نموذج التفاعل وشكله وأين تقع الإشعارات والرسائل ضمنه يبقى مطروحاً. وإذا ما فكرنا بشكل أشمل تملك شركات مثل Oculus وMagic Leap القدرة على إحداث تغييرات جذرية على نموذج التفاعل، لكننا لا نزال بعيدين عن ذلك بضعة أعوام بعد.
المقياس Scale
يكاد يصل تعداد الهواتف الذكية عالمياً إلى 3.5 بليون أو 4 بليون جهازاً حول العالم ـ 2 بليون جهازاً ذكياً وتقريباً 4 بليون هاتف نقال (وعدد الشرائح المستنسخة SIM Card يجعل من عدد الاتصالات النشطة قريباً من 6 بليون). يمكننا مقارنة هذه الأعداد بـ 1.6 بليون جهاز حاسب شخصي PC، نصفها يعود لمستخدمين عاديين والنصف الآخر يعود لشركات. بذلك يكون عدد الهواتف النقالة أكبر من عدد الحواسيب الشخصية بـ 5 أضعاف تقريباً، ترافقنا هذه الأجهزة أينما ذهبنا، بكل تطبيقاتها وحساساتها وهي معقدة بدرجة أكبر بكثير من التعقيد الموجود في الحواسب الشخصية عند النظر إليها كأجهزة يمكنها الوصول للإنترنت.
يصعب علينا أن نتخيل مدى التغيير الذي أحدثته هذه الأجهزة. فللمرة الأولى على الإطلاق، لاتقوم الشركات الكبرى ببيع الأجهزة للشركات فقط أو لعائلات الطبقة المتوسطة بل لثلثي البالغين على سطح الأرض ـ تباع هذه الأجهزة لأناس لا تملك الكهرباء أو المياه وتفضل أن تنفق المال على الهواتف بدلاً من إنفاقه على السجائر. يتسارع التعقيد في ثلاث اتجاهات: لدينا الطبقات المتوسطة من العائلات وصولاً إلى جميع الأشاص، علينا أن ننتقل من الحواسيب الشخصية وصولاً إلى الهواتف النقالة، ويمكننا أن نتدرج من البساطة الموجودة في متصفح الويب، الفأرة، ولوحة المفاتيح التي بقيت حولنا على مدى عشرين عاماً إلى التعقيد الموجود في الهواتف الذكية والمتوضع في طبقات تحت الشاشة حيث لا زال يتغير باستمرار.
لهذا السبب فإن عالم التكنولوجيا ممتع للغاية.
0 التعليقات